الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
معناه قد سألته فنطق.وقيل استفهام تحقيق؛ أي قد رأيت، فتأمل كيف تصبح! أو عطف لأن المعنى ألم تر أن الله ينزل.وقال الفراء: {ألم تر} خبر؛ كما تقول في الكلام: اِعلم أن الله عز وجل ينزل من السماء ماء.{فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} أي ذات خضرة؛ كما تقول: مُبْقِلة ومُسْبِعَة؛ أي ذات بقل وسباع.وهو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة.قال ابن عطية: وروي عن عكرمة أنه قال: هذا لا يكون إلا بمكة وتِهامة.ومعنى هذا: أنه أخذ قوله: {فتصبِح} مقصودًا به صباح ليلة المطر، وذهب إلى أن ذلك الاخضرار يتأخر في سائر البلاد، وقد شاهدت هذا بسُوسِ الأقصى نزل المطر ليلًا بعد قحط أصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف رقيق.{إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ} قال ابن عباس: {خبير} بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر.{لطيف} بأرزاق عباده.وقيل: لطيف باستخراج النبات من الأرض، خبير بحاجتهم وفاقتهم.قوله تعالى: {لَّهُ مَا فِي السماوات وما فِي الأرض} خلقًا وملكًا؛ وكلٌّ محتاج إلى تدبيره وإتقانه.{وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني الحميد} فلا يحتاج إلى شيء، وهو المحمود في كل حال.قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَا فِي الأرض} ذكر نعمة أخرى، فأخبر أنه سخر لعباده ما يحتاجون إليه من الدواب والشجر والأنهار.{والفلك} أي وسخّر لكم الفلك في حال جريها.وقرأ أبو عبد الرحمن الأعرج {والفُلُك} رفعا على الابتداء وما بعده خبره.الباقون بالنصب نسقًا على قوله: {ما في الأرض}.{وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} أي كراهية أن تقع.وقال الكوفيون: لئلا تقع.وإمساكه لها خلق السكون فيها حالًا بعد حال.{إِلاَّ بِإِذْنِهِ} أي إلا بإذن الله لها بالوقوع، فتقع بإذنه، أي بأرادته وتخليته.{إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} أي في هذه الأشياء التي سخرها لهم.قوله تعالى: {وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ} أي بعد أن كنتم نُطَفًا.{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم.{ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} أي للحساب والثواب والعقاب.{إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} أي لجحود لما ظهر من الآيات الدالة على قدرته ووحدانيته.قال ابن عباس: يريد الأسود بن عبد الأسد وأبا جهل بن هشام والعاص بن هشام وجماعةً من المشركين.وقيل: إنما قال ذلك لأن الغالب على الإنسان كفر النعم؛ كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} [سبأ: 13]. اهـ.
يتقدر أن تسأل فتخبرك الرسوم، وهنا لا يتقدر أن ترى إنزال المطر تصبح الأرض مخضرة لأن اخضرارها ليس مترتبًا على علمك أو رؤيتك، إنما هو مترتب على الإنزال، وإنما عبر بالمضارع لأن فيه تصويرًا للهيئة التي الأرض عليها، والحالة التي لابست الأرض، والماضي يفيد انقطاع الشيء وهذا كقول جحدر بن معونة العكلي، يصف حاله مع أشد نازلة في قصة جرت له مع الحجاج بن يوسف: فقوله: فأكر تصوير للحالة التي لابسها.والظاهر تعقب اخضرار الأرض إنزال المطر وذلك موجود بمكة وتهامة فقط قاله عكرمة وأخذ تصبح على حقيقتها أي: تصبح، من ليلة المطر.وذهب إلى أن الاخضرار في غير مكة وتهامة يتأخر.وقال ابن عطية: وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر ليلًا بعد قحط فأصبحت تلك الأرض الرملة التي قد نسفتها الرياح قد اخضرّت بنبات ضعف انتهى.وإذا جعلنا {فتصبح} بمعنى فتصير لا يلزم أن يكون ذلك الاخضرار في وقت الصباح، وإذا كان الاخضرار متأخرًا عن إنزال المطر فثم جمل محذوفة التقدير، فتهتز وتربو فتصبح يبين ذلك قوله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت} وقرئ {مخضرة} على وزن مفعلة ومسبعة أي ذات خضر، وخص تصبح دون سائر أوقات النهار لأن رؤية الأشياء المحبوبة أول النهار أبهج وأسر للرائي.{إن الله لطيف} أي باستخراج النبات من الأرض بالماء الذي أنزله {خبير} بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره.وقيل {خبير} بلطيف التدبير {خبير} بالصنع الكثير.وقيل: {خبير} بمقادير مصالح عباده فيفعل على قدر ذلك من غير زيادة ولا نقصان.وقال ابن عباس {لطيف} بأرزاق عباده {خبير} بما في قلوبهم من القنوط.وقال الكلبي {لطيف} بأفعاله {خبير} بأعمال خلقه.وقال الزمخشري {لطيف} وأصل علمه أو فضله إلى كل شيء {خبير} بمصالح الخلق ومنافعهم.وقال ابن عطية: واللطيف المحكم للأمور برفق.{ما في الأرض} يشمل الحيوان والمعادن والمرافق.وقرأ الجمهور {والفلك} بالنصب وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن الحسن، وانتصب عطفًا على {ما} ونبه عليها وإن كانت مندرجة في عموم ما تنبيهًا على غرابة تسخيرها وكثرة منافعها، وهذا هو الظاهر.وجوز أن يكون معطوفًا على الجلالة بتقدير وأن {الفلك} وهو إعراب بعيد عن الفصاحة و{تجري} حال على الإعراب الظاهر.وفي موضع الجر على الإعراب الثاني.وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وخبر، ومن أجاز العطف على موضع اسم إن أجازه هنا فيكون {تجري} حالًا.والظاهر أن {أن تقع} في موضع نصب بدل اشتمال، أي ويمنع وقوع السماء على الأرض.وقيل هو مفعول من أجله يقدره البصريون كراهة {أن تقع} والكوفيون لأن لا تقع.وقوله: {إلا بإذنه} أي يوم القيامة كأن طي السماء بعض هذه الهيئة لوقوعها، ويجوز أن يكون ذلك وعيدًا لهم في أنه إن أذن في سقوطها كسفًا عليكم سقطت كما في قولهم: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا و{إلا بإذنه} متعلق بـ {أن تقع} أي {إلاّ بإذنه} فتقع.وقال ابن عطية: ويحتمل أن يعود قوله: {إلاّ بإذنه} على الإمساك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، فكأنه أراد إلاّ بإذنه فيه يمسكها انتهى.ولو كان على ما قاله ابن عطية لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء أي يكون التقدير ويمسك السماء بإذنه.{وهو الذي أحياكم} أي بعد أن كنتم جمادًا ترابًا ونطفة وعلقة ومضغة وهي الموتة الأولى المذكورة في قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} و{الإنسان}.قال ابن عباس: هو الكافر.وقال أيضًا: هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل وأُبيّ بن خلف.وهذا على طريق التمثيل.{لكفور} لجحود لنعم الله، يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها. اهـ.
|